النبي The prophet
جبران خليل جبران
"إنك لتُعطي القليل حين تُعطي مما تملك فإذا أعطيت من ذاتك أعطيت حقاً.”
بقلم: شريف الوكيل
منذ نشره في عام ١٩٢٣، كان كتاب المفكر اللبناني جبران خليل جبران (النبي) محبوبا من قبل أجيال من القراء في معظم أنحاء العالم... كما تمت ترجمته إلى أكثر من أربعين لغة وبيعت أكثر من مئة مليون نسخة منه حول العالم، ولاشكَّ أن كتاب (النبي) هو درة ما كتبه «جبران خليل جبران»، وخلاصةُ ما توصلَ إليه، وعصارة تجارِبه الذاتية ونظرته الحياتية؛ فقد ضمنه كل آرائه في الحياة والموت، الطعام والشراب، الحبِ والزواج، وغيرها.
حيث عبر عن آرائه في الحياة عن طريق معالجته للعلاقات الإنسانية التي تربط الإنسان بالإنسان... من خلال فكر صوفي مؤمن بوحدة الوجود، وبأن الروح تتعطش للعودة إلى مصدرها، وبأن الحب هو جوهر الحياة .
"ليُحبَّ أحدكما الآخر، ولكن لا تجعلا من الحب قيدًا، بل اجعلاه بحرًا متدفقاً بين شواطئ أرواحكما”..."الحب لا يُعطي إلا ذاته، ولا يأخذ إلا من ذاته. والحب لا يملك، ولا يَملكه أحد، فالحب حسبه أنه الحب.”
إذن (النبي) هو كتاب يدعو إلى التفاؤل والأمل، بطريقة شاعرية، وأسلوب سلس، يقدم لنا رسالة روحية تدعونا إلى تفتح الذات وإلى ظمأ أعمق للحياة... مما يجعلنا هذا المنطلق أن نتحدث بإسهاب في اتجاهين يلتقيان معٱ، بإيمان عميق نما في وجدان أنبياء عظام وفلاسفة، اتجاهان يلتقيان معٱ كتابا صدر عام ١٩٣٢وفيلمٱ أنتج عام ٢٠١٤ .
يدور الكتاب والفيلم حول سجين زاهد يدعى "مصطفى" يتم ترحيله بعد إطلاق سراحه من سجن مدينة "أورفليس" في منطقة البحر الأبيض المتوسط الحديثة. بعد أن واجه النفي القسري بسبب عمله، هذه المدينة التي أحب أهلها، فتألم لفراقهم بالرغم من شدة لهفته، إلى مسقط رأسه، ولما تجمع الناس لوداعه طلبوا منه أن يزودهم بتعاليمه ونصائحه...
فشرع في مناقشة عدد من الموضوعات المتعلقة بحالة الإنسان على شكل ستة وعشرون قصيدة نثرية حول مواضيع مثل الجريمة والعقاب والجمال والدين والملابس... وقد وقع الكتاب على وتر حساس لدى القراء وأصبح أشهر كتاب لجبران مع رصيد كبير من المبيعات، وحتى هذا التاريخ لم ينفد من الطباعة...
وكانت الممثلة سلمى حايك من أشهر المعجبين بالكتاب ، وعلى الرغم من أنه مجموعة من القصائد النثرية قد لا تبدو أكثر المواد خصوبة للفيلم ، فقد صدرت في العقد الماضي، تم عرضه على الشاشة كفيلم رسوم متحركة، لتحقيق أفكار جبران بطريقة جديدة وحيوية بصريا، توصلت حايك والكاتب المخرج روجر أليرز، اللذان شاركا سابقا في إخراج فيلم "الأسد الملك" في ذلك اليوم، إلى مفهوم مبتكر إلى حد ما.
لقد أخذوا ثمانية من أكثر القصائد شهرة في الكتاب وقاموا بتوزيعها لثمانية من أكثر رسامي الرسوم المتحركة المستقلين ابتكارا والذين يعملون اليوم للترجمة بأساليبهم المميزة بينما يقرأ الأعمال صوت الممثل ليام نيسون.
يضفي بيل بليمبتون فى قصيدة "في الأكل والشرب" على الحياة مستخدما أسلوبه في الفجر ، وهو نهج اعتمده أيضا رسامو الرسوم المتحركة الإيطاليان بول و جيتان باريزى مبدعي فيلم "فانتازيا ٢٠٠٠" في قصيدة "في الموت".
من ناحية أخرى ، يستخدم الإماراتى محمد سعيد حارب الألوان المائية في حديث "في الخير والشر" و "فى الحب" ومن إنتاج الرسوم المتحركة للفنان توم مور، لتنبض اللوحة بالحياة.
على الرغم من أن المشاهدين المختلفين سيحصلون على تصنيفات مختلفة للقطاعات المختلفة بالفيلم، إلا أنه يبدو من المستحيل ألا يتم ترتيب الجزء غير العادي بصريا لرسامة الطين جوان جراتز في "في العمل"، بالطريقة التي يجمع بها كلمات جبران القوية مع صور مذهلة. من خلال ربط هذه الرحلات الخيالية معا، أعاد مخرج الفيلم صياغة ملف السرد بشكل كبير مع نتائج مختلطة...
فهنا نجد مصطفى (ليام نيسون) معارِض يخضع للإقامة الجبرية منذ سنوات في بلدة أورفاليس ، ويصادق الفتاة الصغيرة ميترا، الصامتة والمثيرة للمشاكل في بعض الأحيان التي سبق وأن قدمت لنا الفيلم الجميل آني وحصلت على الأوسكار مع فيلم ١٢ سنة عبودية، ابنة المرأة (سلمى حايك) والتي تعمل كمدبرة منزل لهذا السجين...
وفي أحد الأيام ، قررت السلطات أن مصطفى سيعود إلى وطنه أخيرا، ولكن حتى مع هذا القرار المفاجئ والمريب، تشعر الميترا أن قصة عودة مصطفى إلى وطنه الأم لا تبدو صحيحة، لكنها غير قادرة على نقل ذلك إلى صديقها...
ورغم خروج سكان البلدة لتوديعه بفرح، فإن هناك شعورا بأن هناك المزيد من خلال هذا القرار الذي يبدو "خيريا" للسماح له بالعودة لوطنه ويذهب لأكثر مما تسمعه الأذن وتراه العين وهذا يعطي تلاواته لقصائده الشعرية اللاحقة ميزة إضافية في الأهمية... يصل رقيب السجن (ألفريد مولينا) ليعلن إطلاق سراح مصطفى على الفور، وأنه هو والحارس حليم (جون كراسنسكي) سوف يسلمانه إلى السفينة التي رست للتو على شاطئ ميناء المدينة...
يشكر الناس مصطفى على أشعاره ونصائحه، ليس فقط من خلال مدحهم وكلمات شكرهم له، ولكن أيضا من خلال تزويده بالطعام والشراب أثناء رحلة عودته، ويصرون على مرافقته إلى السفينة .
الفن المتنوع رائع ، ولا شك أن بعضه يجذب مختلف الأشخاص حسب أذواقهم. لا داعي للقلق من أن الأطفال لن "يتمكنوا" فهم مغزى القصائد... لكن الفن نفسه سيكون مسليا وممتعٱ، ويمكن للمشاهدين الصغار الاستمتاع بالصغيرة الميترا المغامرة الآن والعودة إلى القصائد عندما يكبرون ، بعد أن تعرفوا عليها على الأقل، بعض أفكار جبران وقتها كانت تمثل عصرٱ جديدٱ من الفكر...معظمها يحتوي على قدر من الحكمة والتحفيز .
"جميل أن تُعطي من يسألك، وأجمل منه أن تُعطي من لا يسألك وقد أدركت عوزه".
تم تعزيز الفيلم بشكل كبير من خلال موسيقى العالمى الفرنسي اللبناني الأصل "جبريل يارد" ، الذي فاز بجائزة الأوسكار عن فيلم "المريض الإنجليزي" تراوحت موسيقاه من رقصة الفالس البطيئة مع عازف التشيلو "يويوما" لقصيدة "في الموت" إلى نوع من التانغو الشرقي لقصيدة "في الزواج"...
وقد تم تسجيل الموسيقى في استوديوهات آبي رود بلندن مع موسيقيين من جنسيات عديدة ، والتي يقول عنها يارد إنها "تعكس تمامًا الانسجام العالمي الذي وصفته رغبة خليل جبران".
(شريف الوكيل)
إرسال تعليق