مولانا المخرج مجدي أحمد علي مفكرًا



بقلم: أشرف الصباغ.

على الرغم من أن الأعمال السينمائية للمخرج المصري مجدي أحمد علي قليلة العدد، مقارنة بمخرجين آخرين، إلا أنها تتميز بنكهة فنية– سينمائية خاصة، لا تتماشى مع السائد، ولا تخضع لمعايير السوق، ولا تتماهى مع الابتذال الذي أصبح يشكل الذوق العام.

حدثت خلافات واختلافات كثيرة حول رواية "مولانا" للكاتب والصحفي إبراهيم عيسى. ولا يخفى على أحد أن غالبية "الأحكام" التي صدرت حول الرواية كانت تتعلق بأسباب لا علاقة لها بالسرد أو الكتابة، ولا تنطلق من رؤى واجتهادات وجهود فنية نقدية، ولا ترتكز لمعايير أدبية لها علاقة بالإبداع السردي. 

من الطبيعي أن تكون هناك خلافات على الأعمال الأدبية والفنية. هذه الخلافات عادة ما تكون مبنية على أسس فنية أو نقدية، أو حتى لها علاقة بالتذوُّق الأدبي والفني. هكذا هو الطبيعي، عندما يتعلق الأمر بعمل أدبي أو فني. دون ذلك، فالأمر ليس إلا "كلام مقاهي" أو "نميمة جلسات خاصة" أو "تهويمات "الصحافة الثقافية من الدرجة العاشرة". 

رواية "مولانا" لإبراهيم عيسى، رواية صادمة ومباشرة. ولكنها في المقابل فاضحة وكاشفة، وفق معايير سردية تعلي شأن الفكرة على ما كان يسمى قبل عشرات السنين بـ "الحبكة الفنية". وفي الحقيقة، فالرواية الآن في العالم كله تتخذ أساليب ومذاهب "تُحَطِّم" الحدود بين المدارس الكلاسيكية، وفتح حدودا أخرى بين المدارس والمذاهب الحديثة ومثيلتها الكلاسيكية. وبالتالي، فمن الصعب الحكم هكذا وبضربة واحدة على أن رواية "مولانا" هي "لا رواية". من الصعب أن يقف الناقد أو الصحفي أو القارئ موقف رجل الدين أو الرقيب أو "المخبر" ليطلق أحكامًا عشوائية أقرب إلى الشعوذة، ويعرِّض نفسه للانضمام إلى قائمة "التكفيريين" أو "المُكَفِّرين". والحديث يتعلق هنا بالأدب وليس بالدين.

النقد في مصر بات وظيفة رقابية– أمنية أكثر منه وظيفة إبداعية. وفي أحسن الأحوال، تحول النقد في مصر إلى جملة من اصطياد ما يتصوره "الناقد" أخطاء وعدم منطقية وضعف هنا وهناك، ثم نصائح وتوجيهات للكاتب الذي يجب أن يجلس أمام الناقد كما في الصفوف الأولي من المدارس الابتدائية. مثل هذا النقد يثير الضحك والسخرية. ولكن الخطير أنه يمسك بزمام الساحة الأدبية والإبداعية عمومًا ليعلن نفسه مُخبرا ووكيلا للنيابة وقاضيا، ثم سجانا. أي أننا أمام ظاهرة تتعلق بالسلطة الناجمة عن افتقاد الرؤية والهدف، وضياع البوصلة الحقيقية للنقد الذي يراه العقلاء عملية إبداعية جبارة، وإعادة قراءة للعمل الأدبي والفني، وتوسيع لموجات هذه الأعمال على مستوى المجتمع (أفقيا)، وعلى مستوى تطوير الأجناس والمدارس الأدبية والفنية (رأسيا). 

أما فيلم "مولانا" للمخرج مجدي أحمد علي، فهو فيلم يحمل كل أدوات العمل الفني الجيد، ويتوجه بأدوات فنية خاصة، كغالبية أعمال المخرج، إلى المجتمع المصري. هو فيلم جاء من الواقع، ليعود من جديد إلى نفس الواقع، عبر عملية فنية فكرية- إبداعية معقدة، وصادمة ومباشرة، وغاضبة، رغم كل السخرية المريرة التي يحملها الحوار الذي أنتجه الكاتب مع المخرج، وخرج على ألسنة أبطال الفيلم في شكل مصري شعبي أصيل يحمل كل الدلالات الممكنة لنقل أفكار الرواية والفيلم على حد سواء. وفي نهاية المطاف، فكل ما قاله أبطال الفيلم، مبني أصلا على ما جاء على ألسنة أبطال الرواية، عبر رؤية إخراجية متفردة. 

في الحقيقة، المقال لا يدور أصلا عن الرواية أو الفيلم، وإنما عن "حالة" استقبال العملين الأدبي والفني. وعلى الرغم من كل "الموبقات" الموجودة في مصر، إلا أن الرواية صدرت وواجهت كل الخلافات والاختلافات الإعلامية والنقدية، بل والأمنية أيضا. ولكن المهم أنها لم تُمْنَع. ونحن هنا بصدد النتائج وليس المشاكل التي أثيرت أو محاولات المنع. الفيلم أيضا خرج إلى النور والناس رغم كل الحماقات الإعلامية ونميمة المقاهي والدسائس الصبيانية. 

هكذا قامت القيامة ضد الرواية، ثم الفيلم. وهكذا ذهب كل هذا "الثغاء" الإعلامي الأحمق، والأمني الجاهل، والديني المشعوذ. ما يعني، شئنا أم أبينا، أننا أمام ظاهرة مصرية جيدة تمنحنا الأمل في التقدم إلى الأمام رغم كل الصعوبات والعقبات التي تواجهنا، وتواجه أعمالنا الفنية. وما يعني أيضا أن هناك قطاعات في مصر أكثر وعيا مما نتصور، وأكثر حرصا على حماية الأعمال الأدبية والفنية، حتى وإن واجه أصحابها بعض الصعوبات والمعوقات. 

قد نختلف كثيرا وطويلا حول الرواية والفيلم. ولكننا لن نختلف على أنه إذا كان الكاتب إبراهيم عيسى اختار هذا القالب السردي في طرح رؤى أبطاله، فالمخرج مجدي أحمد علي أثبت مجددًا أنه ليس فقط مخرجًا سينمائيًا فقط، بل مفكرًا من طراز فني رفيع قادر على تفكيك الواقع وإعادة بنائه من جديد.


أشرف الصباغ

Post a Comment

أحدث أقدم